دوليسورياعربيملفات ساخنةملفات ساخنة

كيميائي دوما.. استعجال الحسم وصراع الروس والإيرانيين

مرة أخرى، يعود النظام السوري إلى مستودعاته الكيميائية ليبث للعالم صورا مروعة عن تجمد جثث الأطفال والنساء في الشوارع، ويؤكد للسكان أنفسهم أنه لا بديل عن الموت بالرصاص إلا الموت بالغازات.
وبالتوازي مع تعزيز مكاسبه الميدانية في الغوطة الشرقية بريف دمشق، شن النظام السوري أمس السبت قصفا كيميائيا على مدينة دوما خلف عشرات القتلى والجرحى -معظمهم من النساء والأطفال- وفق شهود وطواقم الإسعاف.
وقد أكدت بعض التقارير مقتل 150 مدنيا بالغازات السامة، في حين تتحدث أخرى عن سقوط 70، غير أن وسائل إعلام أجنبية نقلت أن القصف خلف 40 قتيلا فقط.
ورغم التضارب في أعداد الضحايا، فإن القصف استحوذ على اهتمام وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، حيث نقلت صورا لمدنيين -بينهم صغار- ماتوا خنقا جراء استنشاق الغازات السامة.
وفي العادة لا يعبأ النظام السوري بالتبعات القانونية والأخلاقية لقصف المدن بالأسلحة المحرمة، ذلك أن موسكو توفر له الحماية في مجلس الأمن الدولي وتستخدم حق النقض للحيلولة دون محاسبته.
ومثلما يحصل في كل مناسبة كيميائية، أنكرت دمشق وحليفتها موسكو حصول هذا القصف، واتهمتا المعارضة المسلحة باختلاق الأكاذيب لتبرير هزائمها على الأرض.
مبررات القصف
ولكن الجديد في هذا القصف هو افتقاره إلى المبررات الميدانية، لأن النظام يتابع باطراد اكتساحه أراضي الغوطة بدعم من روسيا وإيران ومسلحي حزب الله، بينما لا تتلقى المعارضة المسلحة دعما من أي جهة إقليمية ودولية.
وما دام النظام قادرا على فرض قوته على الميدان بالآليات التقليدية، فإن لجوءه إلى الأسلحة المحرمة يثير التساؤلات حول طبيعة القوة التي يتوجس منها في دوما من ناحية، وحول الجهة التي تتخذ القرار في دمشق من ناحية أخرى.
في دوما، يصر فصيل جيش الإسلام على رفض الاستسلام وتهجير السكان، ويؤكد من حين لآخر أنه باق في المدينة حربا أو سلما.
وقد شدد جيش الإسلام في بيان جديد على رفض التهجير القسري والخروج من الغوطة “الذي يراد منه إتمام مشروع التغيير الديمغرافي في المنطقة لإحلال شعب مكان شعب”.
وتتحدث تقارير عن امتلاك جيش الإسلام أسلحة نوعية وذخيرة تكفي لمواجهة النظام لفترة قد تطول لبعض الوقت، وربما يتمكن من نقل المعركة مجددا إلى قلب العاصمة دمشق. 
وقد استغل النظام هزيمة المسلحين في معظم بلدات الغوطة الشرقية في الرفع من معنويات أنصاره، وهيأهم لقرب الاحتفال بالقضاء على “التمرد” في عموم أنحاء البلاد.
هواجس الانتكاس
وبما أن دوما تمثل أهم حواضر الغوطة الشرقية، فإنه من الوارد استعجال النظام للحسم حتى لا تنتكس مكاسبه الميدانية، ويعود المسلحون مجددا إلى الإقامة قرب القصر الرئاسي في دمشق.
وبالتالي فإن استخدام الأسلحة المحرمة وانتشار جثث المدنيين في الشوارع ربما يمثل ضغطا على قادة جيش الإسلام، ويسرّع ارتباكهم في المعارك وقبولهم بشروط النظام واللحاق بركب المستسلمين.
لكن الاستعجال على حسم المعركة، ربما لا يكون خيار النظام ذاته لأن أصدقاءه الروس يتفاوضون مع قادة جيش الإسلام منذ فترة ويبحثون عن حل سلمي للأزمة.
ورغم تناسق مواقفهم ظاهريا، فإن أجندات الروس والإيرانيين تتباين أحيانا في دمشق، مما ينعكس على قرارات النظام في توقيتها وطبيعتها.
ووفق مراقبين وناشطين في الغوطة الشرقية وغيرها، فإن التغييرات الديمغرافية ذات الطبيعة الطائفية تمثل أهمية للنظام السوري والفصائل المسلحة الموالية لإيران، بينما لا تشكل أولوية بالنسبة للروس.
صراع خفي
وتتحدث أوساط سياسية -خصوصا من المعارضة- عن صراع خفي بين إيران وروسيا على اتخاذ القرار في دمشق تأهبا للهيمنة على سوريا في المستقبل بعد الإجهاز على الثورة.
وفي لقاء سابق مع الجزيرة، قال المسؤول السياسي في جيش الإسلام محمد علوش إن القصف بالغازات السامة دليل على وجود انقسام بين اللوبيات الإيرانية والروسية في سوريا من أجل السيطرة واقتسام المصالح.
وبغض النظر عن سياق القصف ومبرراته والجهة التي أملته على النظام، فإنه على الراجح سيمرّ دون محاسبة في ظل شلل المؤسسات الدولية بحكم الاستقطاب السياسي بين موسكو وواشنطن وإصرار كل منهما على حماية حلفائها.
وقد حمّل بيان للخارجية الأميركية روسيا مسؤولية أي هجوم كيميائي يقع في سوريا، وقال إن موسكو “تتحمل في نهاية المطاف مسؤولية الاستهداف الوحشي لعدد لا يحصى من السوريين بأسلحة كيميائية”.
ورغم أن واشنطن تعتبر الكيميائي خطا أحمر في سوريا فإنها تكتفي غالبا ببيانات شديدة اللهجة، وعلى هذا النحو أيضا يأتي رد فعل الدول الغربية وكذلك العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى