مقالاتملفات ساخنةملفات ساخنة

فهد الخيطان يكتب : كلام فارغ

فهد الخيطان يكتب : كلام فارغ

هل تملك المجتمعات العربية القدرة على المحافظة على نسيجها المزركش بالألوان والأطياف والتكوينات الاجتماعية، بعد طوفان الإرهاب والحروب الأهلية والصراعات الدموية؟

التجارب الماثلة أمامنا لاتسعف أبدا حجج أصحاب النوايا الطيبة، وأنصار التنوع الأصيل لمجتمعاتنا.
ونحن نتابع بالأمس ردود الفعل المصرية والعربية على جريمتي الكنيستين في طنطا والاسكندرية، يخيل إلينا بأن الحادثين الإرهابيين لحظة عابرة لاتربطهما أية صلة بالواقع المصري. لكن سرعان ما نتذكر مسلسل الحوادث الطويلة منذ أربعة عقود ونيف، ونلوذ بالصمت المحير.


كيف للنسيج الاجتماعي المصري أن يتعافى من جراح السنين الطويلة ويستعيد لمعته؟
الملايين هجروا أوطانهم في العراق وسورية واليمن والسودان وليبيا ومصر ولبنان.أقليات وأغلبيات أيضا. المجتمع الواحد صار مجتمعات ممزقة بين دول المهجر. البنية التي عهدناها لعقود طويلة انهارت تماما.
سالت أنهر من الدماء بين السوريين والعراقيين، من يتصور بعدها أن تعود العلاقات لطبيعتها بين السنة والشيعة في العراق أو بين العلويين والسنة في سورية.

ثمة أغلبيات هجرت أوطانها، وأقليات تلاشى وجودها، ولن تعود أبدا لموطنها الأصلي.المسيحيون العراقيون يأبون العودة للأحياء المحررة في الموصل، صاروا يخشون أقرب جيرانهم في الأحياء السكنية. السوري الذي أجبر على الرحيل من حمص لايستطيع العودة خوفا من مليشيات اتخذت قرارا حاسما بالتطهير الطائفي والعرقي.
الحرب الطاحنة في اليمن تجعل من المستحيل على أهل عدن قبول الحوثيين بينهم مهما كلف الأمر.
كان نسيج كل تلك المجتمعات مربوطا بحبل السلطة، وما إن انقطع حتى تفكك وتآكل النسيج كله، فتحول لقطع ممزقة بلا هوية ولا شكل.

مئات الآلاف الذين استقروا في ديار الغربة، لايملكون أملا ولا رغبة بالعودة إلى أوطانهم. لقد باتوا أكثر استعدادا للتكيف ضمن مجتمعات غريبة عنهم ثقافة وعادات، وتحمل مصاعب العيش فيها من العودة إلى بلادهم وعقد مصالحات مع جيران عاشوا معهم كل سنين حياتهم.

اسألوا أي لاجئ سوري أو عراقي في الأردن بماذا يحلم. سيأتيك الجواب على الفور؛ الانتقال للعيش في أميركا أو أوروبا أو أستراليا. الآلاف قضوا في البحر وهم في طريقهم للهجرة إلى أوروبا.

اسألوا أبناء الأقليات في عديد الدول المستقرة نسبيا بماذا يفكرون. لاشيء غير الهجرة للغرب.
كم من الأقباط المصريين يعيش في المهجر، وكم من العراقيين يسكن أرض الغربة البعيدة؟

معظم المدن والبلدات التي حافظت لعقود طويلة على تنوع نسيجها الاجتماعي، تحولت إلى مجتمعات من لون واحد. لن تعود الموصل كما كانت ولا حلب. الزلزال ضرب الجغرافيا أيضا مثلما هز المجتمعات، فصار التقسيم خيار الشعوب لا المستعمرين.

 لم يعد سرا رغبة الجنوبيين في اليمن بالإنفصال، ولا الكرد في العراق وسورية. حتى ليبيا الممزقة تجاهد كي لا تستسلم لخيار التقسيم، وقد لا تنجو.

المجتمعات المستقرة تكافح كي لا يطال الحريق نسيجها الاجتماعي. قدرتها على الصمود في غياب المشروع الوطني الجامع محل شك. يوما ما ستمتد إليها النيران. مخزونها الثقافي المتواضع من العيش المشترك وقيم المواطنة لن يصمدا طويلا.
هل تعود أوطاننا أوطانا كما كانت؟ كلام فارغ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى